الخميس، 27 ديسمبر 2018

في رواية "اللايقين"


صراحة محمد الفزاري في "اللايقين" شجاعة أم انتحار سياسي وديني واجتماعي


الكتاب: اللايقين 
الكاتب: محمد الفزاري
الصفحات:304


لم أتصور يوما أني سأتجرأ على كتابة هذه الكلمات و هذه الأسطر التي ستقودني إلى حتفي دون أدنى شك."

 بعد هذه الفقرة التي بدأ فيها الكاتب على لسان أحد أبطال روايته في سرد روايته فعليا، أيقنت جازما أنه رمى بنفسه في النار بلا أدنى شك. إنه انتحار بكل ما تعنيه الكلمة. لكن هذه النار ليست موجودة في العالم الآخر الذي يعيش فيه الكاتب، إنما في بلاده و العالم العربي بشكل عام. إنها نار التعصب والتطرف التي ذاق الكاتب ألمها فيما سبق.

يحكي لنا الكاتب رحلة ليست غريبة علينا إطلاقا، إنها "رحلة ذاتين" في مجتمع يسوده التعصب باسم العادات والتقاليد المتوارثة والمقدسة في آن واحد، في مجتمع لا يتقبل الاختلاف ويحارب الحريات الفردية بمختلفها.. في الاعتقاد، في التعبير، وفي التفكير، وزد ما عندك من أنواع الحريات المقموعة في بلدنا.

إن هذه الرحلة ربما يتشابه حالها ومجموعة من الناس من الذين أنتابهم الشك و لم يستطيعوا البقاء على حالهم السابق الذي يتشارك فيه مجتمعهم. باتوا مختلفين عن المجتمع فقط لأنهم رفضوا أفكارا وجدوها متعصبة، ورفضوا دينا لم يختاروه، ورفضوا عادات وتقاليد اعتقدوا أنها تقيد حرياتهم

لكن ما سيترتب على ذلك ليس بالسهل أبدا، من الممكن أن تلاقي الكره من أقرب الأقرباء منك و هم العائلة، والشتيمة من الأصدقاء وزملاء الدراسة أو العمل، التعذيب النفسي بنظرات الحقد من المجتمع اتجاهك. هذا ما طرحه الكاتب لنا على لسان بطلَي روايته، اللتان عاشتا تجربة الاختلاف وتداعياتها. هذا هو الواقع فعلا الذي لا يمكن لذواتنا أن تنكره لمجرد أنه عمل سردي خيالي.

لم يكتفي الكاتب بالجانب الديني والاجتماعي، بل تطرق أيضا إلى الجانب السياسي. من خلال الأحداث التي ذكرها لنا عن طريق لسان أبطاله، سيأخذك الكاتب بعيدا وسيدخلك عالم السياسة العربية التي تتصف بالغموض والاستبداد في آن واحد. هنا سنلاحظ أن الكاتب سيمزج بشكل واضح بين السرد والخطاب حتى تكاد تشعر أنه أخرجك بعيدا عن أحداث الرواية، وكأنك تقرأ كتابا فكريا بعيدا عن الإطار الروائي؛ ولذا ربما سيشعر بعض القراء ببعض الملل، وشخصيا فكرت في تخطي تلك الصفحات عندما كنت اقرأ العمل. ولكن تأكد لي فيما بعد أن كل جملة ذكرها من خلال ذلك الإطار الفكري السياسي كانت ذات قيمة وإضافة لي فيما بعد.

الحكاية لم تكن بتلك الصعوبة لكن لم تكن سهلة أيضا. تستطيع الإنتهاء منها خلال ثلاث جلسات بالكثير. لم يخب ظني فيها، كانت ممتعة جدا. قالب أدبي يحمل في طياته العديد من الأفكار المتنوعة والجوانب فكرية المختلفة. ربما حالة الحرية المطلقة في التعبير التي يحظى بها الكاتب في المنفى أو المنأى كما يفضل الكاتب أن يصف وضعه بحكم قربي منه، أعطت الكاتب ميزة لا يتميز بها كل كاتب يسكن في الداخل العماني أو حتى الخليجي، وفرصة اغتنمها الكاتب بشكل جيد.


في 28 من شهر نوفمبر 2018، ذكر الكاتب في صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "كما وصلني اليوم، تم منع كتابي (اللايقين) من قبل وزارة الإعلام العمانية". الفزاري يقيم في المملكة المتحدة كلاجئ سياسي منذ منتصف سنة 2015 بسبب نشاطه الصحافي والسياسي في عمان سابقا.

بسبب الخطوة التي لا يختلف عليها اثنان أنها تأخذنا إلى الخلف من قبل وزارة الإعلام التي أصبحت جزء من الواقع الثقافي العماني، أصبح الكتاب ممنوعا من العرض والبيع في المكاتب العمانية، ومن المؤكد أيضا سيمنع في معرض مسقط الدولي القادم. يا لهذه المهزلة.. لا نعلم متى سنتقدم خطوة إلى الأمام و لا يزال هناك منع ومصادرة للكتب في العالم العربي بشكل عام.



"أنا أكتب الآن ولا أعلم لمن أكتب ومن سيقرأ هذه الأسطر يوماً ما! لا يهم من سيقرؤها أو هل سيتمكن في الحقيقة أي إنسان من قراءتها يوماً ما، كل مايهمني أن أتحدث، أن أعبر عما في قلبي من ألم حتى لو كان لهذه الشاشة التي أمامي. فلولا الكتابة، متنا همًّا وغمًّا."

"كيف يمكن لإنسان أن يعتبر نفسه مسلماً تترجم أخلاقه القرآن الداعي للسماحة، كما يعتقد، ثم يأتي ويشتم كل من اختلف عن مذهبه في داخل إطار الإسلام، فضلاً عن أتباع الأديان الأخرى؟! وربما تجده أقل وطأة وحدة على الأديان الأخرى وأتباعها مقابل مايفعله ضد من في دائرة دينه. أما نظرته للغرب الكافر فهذه قصة أخرى، فهو محاط من قمة رأسه حتى أخمص قدميه بكل ما أنتجه هؤلاء الكفار في نظره ثم يأتي؛ لينكر فضلهم ويسبهم ويدّعي أنه أفضل منهم.. فقط لأنه مالك الحقيقة المطلقة. حسناً أيها الأفضل أظن أن عليك أن تنتج شيئاً كما فعل الكافر بدل الكلام الذي لاطائل منه. إنهم يكرهونهم ولايستطيعون العيش بدونهم."

"لأن ذكورنا ليست لهم سلطة على أعضائهم التناسلية، فكل شيء يثيرهم. يقطعها إرباً بنظراته ليروي شهوته الجامحة هذا لو سلمت من لسانه ويده. المرأة هي الملومة فكيف تضع عطراً أو كحلاً فهو مسكين ضعيف لايقدر على نفسه أمام زينتها، لكنه يقدر أن يتحمل مسؤولية القتال المستمر عن شرف حظيرته الرقيق الشفاف مثل الثور الأهوج. مجتمع ذكوري غبي أحمق لامنطق له إلا القيل والقال.
أيّها الذكر الأخرق ألم تخلق المرأة هكذا تحب العطور والزينه... تحب أن تكون جميلة دائماً وفي أبهة زينتها. خلقت؛ لتعيش لا لتدفنها أنت وسط همجيتك وقذارة تفكيرك وفهمك الأعوج للدين"


"المُقدَّس في حد ذاته ليس مُقَدساً، إنما المُقدِّس هو من يصنع هذه القدسية مع مرور الزمن، وكلما زادت الفجوة زادت معه هالة القدسية. في الحقيقة، الأتباع يرثون المقدَّس، ويُقَدِّسون الموروث، ويورّثون المُقَدَّس، كحقائق مطلقة!..."

عبرحمٰن

هناك تعليقان (2):

  1. مقال جميل من كاتب صغير بالعمر كبيز فكرا وأسلوبا ، حقيقة أدهشني كلامك وكلام محمد أيضا وتمنيت حقيقة لو اقرأ لك أكثر ، في كل كلمة كنت اتمنى أن يطول المقال لأتفاجأ أنه انتهى في النهاية

    ردحذف
  2. والله انك كفواا عبدالرحمن كلماتك تضرب في صميم و جميلة بشكل عاام تاابع على هذا منوال وان شاء الله راح تلقى دعم وبالتوفيق الغالي

    ردحذف